بائعة الكبريت

في إحدى الليالي الباردة، عشية رأس السنة الجديدة، كانت الثلوج تتساقط بغزارة على شوارع المدينة المظلمة. وسط هذا الجو البارد، كانت هناك فتاة صغيرة فقيرة تجوب الشوارع حافية القدمين، تحمل في يدها مجموعة من أعواد الكبريت. كانت ملابسها بالية ورقيقة لا تقيها برد الشتاء القارس، وقد فقدت حذاءها في وقت سابق عندما كانت تركض خائفة من عربة مسرعة في الشارع.
كانت الفتاة تمشي وسط الناس في محاولة لبيع أعواد الكبريت، لكنها لم تلقَ أي اهتمام. المارة كانوا مشغولين في استعداداتهم للاحتفال برأس السنة، ولم ينظر أحد إليها. حاولت مرارًا أن تنادي لبيع الكبريت، لكن صوتها كان ضعيفًا، وملامحها المنهكة جعلتها غير مرئية وسط الحشود.
مع مرور الوقت، ازدادت البرودة، وأحست الفتاة أن أطرافها تكاد تتجمد. كانت جائعة جدًا ومرهقة. حاولت العثور على ملاذ دافئ، لكنها لم تجد مكانًا تلجأ إليه. جلست على رصيف بارد في زاوية أحد الشوارع، وقررت أن تشعل عودًا من الكبريت لتدفئ نفسها قليلاً.
أشعلت الفتاة أول عود كبريت، وفي لحظة، غمرتها الدفء. وبينما كانت تراقب وهج اللهب، بدأت تتخيل نفسها جالسة أمام مدفأة كبيرة تشتعل بنار دافئة. شعرت بدفء وهمي يجتاح جسدها، لكن مع انطفاء العود، عادت إلى الواقع القاسي مرة أخرى، وتلاشت المدفأة.
أشعلت عودًا ثانيًا، وفي هذه المرة تخيلت مائدة طعام كبيرة، مليئة بأشهى الأطعمة التي لم تذقها من قبل. رأت الدجاج المشوي والفاكهة اللذيذة والحلويات، وبدأت تشعر بالشبع والسعادة. لكن ما إن انطفأ العود، حتى تلاشت الصورة وعادت إلى جوعها القاسي.
ثم أشعلت عودًا ثالثًا، وفي هذه المرة ظهرت أمامها شجرة عيد الميلاد ضخمة، مزينة بالأضواء والشرائط والنجوم المتلألئة. كانت الشجرة جميلة ومبهجة، وذكّرتها بالقصص التي سمعتها عن عيد الميلاد، لكنه كان حلمًا قصيرًا، إذ انطفأ العود وساد الظلام مجددًا.
وأخيرًا، أشعلت الفتاة عود الكبريت الأخير. وفي هذه
اللحظة، رأت مشهدًا مختلفًا تمامًا. رأت جدتها الراحلة، التي كانت الشخص الوحيد الذي أحبها بصدق. كانت الجدة تبتسم لها وتبدو سعيدة، فركضت الفتاة نحوها واحتضنتها. شعرت الفتاة بالطمأنينة والحب، وطلبت من جدتها أن تأخذها معها بعيدًا عن هذا العالم القاسي. بدا أن الجدة احتضنتها وأخذتها معها إلى عالم آخر، عالم لا يوجد فيه برد أو جوع أو معاناة.
في الصباح، حين بدأت المدينة تستيقظ، عثر الناس على الفتاة جالسة في الزاوية، ميتة من البرد. لكن رغم قسوة موتها، كانت على وجهها ابتسامة هادئة. لم يكن هناك من يعلم بالخيالات التي رافقتها في لحظاتها الأخيرة، ولا بالرحلة التي قامت بها مع جدتها إلى عالم أكثر دفئًا وسلامًا.
كانت القصة مؤثرة في تذكيرنا بأن هناك من يعاني في صمت، بينما ينشغل العالم بالاحتفالات والمسرات.