قصة سيدنا إبراهيم مع النمروذ بن كنعان
قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمرود بن كنعان تمثل مواجهة عظيمة بين التوحيد والإيمان بالله من جهة، والجبروت والادعاء بالألوهية من جهة أخرى.
بداية القصة:
سيدنا إبراهيم عليه السلام وُلد في بلاد بابل في العراق في مجتمع كان يعبد الأصنام. كان والده، آزر، صانعًا للأصنام، وكان قومه غارقين في عبادة هذه التماثيل. إلا أن إبراهيم عليه السلام منذ صغره رفض هذه العبادة وبدأ يتفكر في الكون، حيث أدرك أن الأصنام لا تضر ولا تنفع، وأن هناك إلهًا واحدًا يستحق العبادة.
بدأ إبراهيم عليه السلام دعوته لقومه ولأبيه بأن يتركوا عبادة الأصنام ويعبدوا الله الواحد، إلا أنهم كذبوه وسخروا منه. فقرر إبراهيم أن يثبت لهم ضعف هذه الأصنام. وفي أحد الأيام عندما خرج القوم للاحتفال بعيدهم، دخل إبراهيم إلى معبد الأصنام وحطمها جميعًا ما عدا أكبرها، ووضع الفأس على كتف هذا الصنم الكبير.
المواجهة مع النمرود:
بعد اكتشاف تحطيم الأصنام، استدعى قوم إبراهيم وطلبوا منه تفسير ما حدث. فقال لهم: “بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون”. وهنا أدرك القوم عبثية عبادتهم للأصنام، لكنهم بدلًا من العودة إلى الحق، قرروا معاقبة إبراهيم. وصلت أخبار إبراهيم إلى الملك الجبار النمرود بن كنعان، الذي كان ملكًا ظالمًا ادعى الألوهية وأنه هو الذي يتحكم في حياة الناس.
أمر النمرود بإحضار إبراهيم إلى مجلسه ليحاجّه في أمر الدعوة إلى الله. وهنا دار حوار شهير بين إبراهيم والنمرود.
حوار إبراهيم مع النمرود:
النمرود أراد أن يُظهر قوته وجبروته أمام إبراهيم فقال له:
“ما هذا الإله الذي تدعو إليه؟”
فقال إبراهيم عليه السلام: “ربي الذي يحيي ويميت”.
رد النمرود بغرور وقال: “أنا أحيي وأميت”، وأمر بإحضار رجلين كان محكومًا عليهما بالإعدام، فأمر بقتل أحدهما والعفو عن الآخر، ليثبت أنه يستطيع أن “يحيي” و”يميت” كما يشاء.
لكن إبراهيم عليه السلام لم يتركه يستمر في غروره، فقال له بحجة عظيمة:
“فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأتِ بها من المغرب”.
وهنا وقف النمرود عاجزًا، فقد أدرك أنه لا يستطيع الرد على هذا التحدي ولا التحكم في مسار الشمس. فبهت الذي كفر ولم يجد ما يقوله.
محاولة إحراق إبراهيم:
بعد أن بُهت النمرود أمام حجج إبراهيم القوية، لم يرَ سوى القوة كوسيلة للانتقام. أمر بإشعال نار عظيمة لم يُشعل مثلها من قبل، وجمع الناس ليروا كيف سيتم إلقاء إبراهيم فيها. كانت النار كبيرة جدًا حتى أنهم لم يتمكنوا من الاقتراب منها، فاستخدموا المنجنيق لقذف إبراهيم إلى وسط النار.
لكن الله سبحانه وتعالى الذي يملك الكون وما فيه، أمر النار فقال:
“يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ” (سورة الأنبياء: 69).
فتحولت النار من جحيم إلى برد وسلام على إبراهيم، وخرج منها سالمًا دون أن يُصاب بأي أذى. كانت هذه المعجزة العظيمة شاهدًا على قدرة الله وحمايته لأنبيائه.
هلاك النمرود:
رغم المعجزة الواضحة، استمر النمرود في جبروته وكفره، ولم يؤمن بالله. وتروي الروايات أن الله سبحانه وتعالى أرسل له عقابًا صغيرًا ولكنه شديد، وهو بعوضة دخلت في رأسه. كانت البعوضة تدخل إلى أنفه وتستقر في رأسه وتبدأ في لدغه وإزعاجه، وظلت هذه البعوضة تؤلمه حتى أصبح يضرب رأسه بالحجارة للتخفيف من الألم، وظل يعاني حتى مات بسبب هذه البعوضة الصغيرة.
العبرة من القصة:
قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود تحمل دروسًا عظيمة في الإيمان والصبر. فقد واجه إبراهيم أكبر طاغية في زمانه بحجج قوية ومنطق لا يمكن رده، وأثبت أن قوة الإيمان بالله تتغلب على أي جبروت أو ظلم. كما أن هلاك النمرود ببعوضة صغيرة يذكرنا بأن قوة الله لا حدود لها، وأن الطغاة مهما كانوا أقوياء في الدنيا، فإنهم ضعفاء أمام قدرة الله.
هذه القصة تظل مصدر إلهام للمؤمنين في كل العصور، لتعليمهم قوة التوكل على الله والصمود في وجه الظلم والباطل.