قصة ذو القرنين وبناء سد يأجوج ومأجوج
قصة ذو القرنين وردت في القرآن الكريم في سورة الكهف (الآيات 83-98). ذو القرنين هو شخصية تاريخية أو ملك صالح، اشتهر بالقوة والحكمة والسعي لإقامة العدل. اسمه يعكس أنه “ذو القرنين”، أي صاحب القرنين أو الملوكيتين، مما يرمز إلى قوته وسلطته. ورغم أن النصوص التاريخية لا تقدم تحديداً دقيقاً لشخصيته، فقد تم ربطه بعدد من الشخصيات التاريخية مثل الإسكندر الأكبر أو كورش الكبير.
بداية القصة:
تبدأ القصة عندما يسأل أهل مكة النبي محمد ﷺ عن ذو القرنين بناءً على طلب اليهود. فأوحى الله للنبي القصة ليجيبهم. قال الله تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا” (سورة الكهف: 83)
رحلات ذو القرنين:
1. الرحلة إلى المغرب:
بدأ ذو القرنين رحلته الأولى باتجاه الغرب حتى وصل إلى مغرب الشمس. عندها وجدها تغرب في عين حمئة (أي في ماءٍ داكن أو موحل)، ووجد هناك قوماً. فقال له الله: إما أن يعاقبهم أو يحسن إليهم. قال ذو القرنين:
“قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا” (سورة الكهف: 87-88)
هنا نرى أن ذو القرنين كان عادلاً، يعاقب الظالم ويكافئ المحسن.
2. الرحلة إلى المشرق:
ثم انطلق ذو القرنين في رحلة أخرى نحو المشرق، حتى بلغ مطلع الشمس. وجد هناك قوماً لا يسترهم شيء من الشمس (أي يعيشون بدون منازل أو وسائل لحماية أنفسهم من الشمس). قال الله تعالى “حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطۡلُعُ عَلَىٰ قَوۡمٖ لَّمۡ نَجۡعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتۡرٗا (سورة الكهف: 90)
لم يذكر القرآن تفاصيل كثيرة عن هذه الرحلة، لكنها تشير إلى اهتمام ذو القرنين بالتعرف على أحوال الناس وتقديم المساعدة أو العدل.
3. الرحلة إلى سد يأجوج ومأجوج:
في رحلته الثالثة، توجه ذو القرنين إلى منطقة بين سدين عظيمين، ووجد هناك قوماً يعيشون بين الجبال، وكانوا يشتكون له من يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان شريرتان كانتا تفسدان في الأرض.
طلب القوم من ذو القرنين أن يبني لهم سداً لمنع يأجوج ومأجوج من الاعتداء عليهم، وعرضوا عليه أجراً، لكنه رفض المال، قائلاً إنه يريد بناء السد لوجه الله.
“قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (سورة الكهف: 95)
ثم قام ذو القرنين ببناء السد مستخدماً الحديد والنحاس المذاب ليصبح حصيناً. كان هذا السد قوياً للغاية، لدرجة أن يأجوج ومأجوج لم يتمكنوا من تسلقه أو خرقه.
“فَمَا ٱسۡطَـٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَـٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا” (سورة الكهف: 97)
لكنه أشار إلى أن هذا السد لن يدوم للأبد، وأنه عندما يحين أمر الله، سيُدمر ويخرج يأجوج ومأجوج في نهاية الزمان. “قَالَ هَـٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا (سورة الكهف: 98)
العبرة من قصة ذو القرنين:
قصة ذو القرنين تعلمنا العديد من الدروس، منها:
استخدام القوة لنشر العدل والخير وليس للظلم.
الحكمة في التعامل مع الناس واختيار القرارات الصائبة.
أهمية الإيمان بالله والعمل الصالح في كل الظروف.
أن كل شيء، مهما كان قوياً أو عظيماً، سيأتي له يوم يزول فيه بأمر الله.
قصة ذو القرنين توضح كيف يمكن للحاكم الصالح أن يكون سبباً في حماية الشعوب وإقامة العدل، مع الاعتماد على الله وتقديم الخير للناس.