قصة سيدنا يوسف وإخوته
قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته من أعظم القصص التي وردت في القرآن الكريم، حيث تحكي عن الابتلاء والصبر والرحمة. القصة وردت بالتفصيل في سورة يوسف، وهي مليئة بالدروس والعبر التي تتعلق بالعائلة، الحسد، الإيمان، والمغفرة.
بداية القصة:
كان سيدنا يوسف ابن النبي يعقوب عليهما السلام، وكان له 11 أخًا. كان يوسف عليه السلام محببًا جدًا إلى قلب أبيه يعقوب، وهو ما أشعل الغيرة والحسد في قلوب إخوته، وخاصة عندما قص عليهم حلمًا رأى فيه أن الشمس والقمر و11 كوكبًا يسجدون له.
قال الله تعالى:
“إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ” (سورة يوسف: 4)
فهم يعقوب أن هذا الحلم له دلالات عظيمة، وطلب من يوسف ألا يخبر إخوته بذلك، خوفًا من أن يزداد حسدهم. “يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُؤۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ” (سورة يوسف: 5)
كيد الإخوة:
إخوة يوسف كانوا يشعرون بالحسد الشديد لأن والدهم يعقوب كان يحب يوسف حبًا خاصًا. فاجتمعوا وقرروا التخلص من يوسف لكي يستأثروا بحب أبيهم. فاقترح بعضهم أن يقتلوه، لكن أحدهم قال أن الأفضل هو إلقاؤه في بئر، حيث يمكن أن يجده بعض المسافرين ويأخذوه بعيدًا.
“ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ” (سورة يوسف: 9)
ذهبوا إلى أبيهم وطلبوا منه أن يسمح ليوسف بالذهاب معهم في رحلة ليلعب ويتنزه، وبعد إصرار منهم وافق يعقوب على مضض. “أَرۡسِلۡهُ مَعَنَا غَدٗا يَرۡتَعۡ وَيَلۡعَبۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ (سورة يوسف: 12)
إلقاء يوسف في البئر:
بعد أن أخذوا يوسف معهم، تآمروا عليه وألقوه في البئر كما خططوا. ثم عادوا إلى أبيهم في المساء وأخبروه كذبا بأن الذئب قد أكله، وأحضروا قميصه ملطخًا بالدماء كدليل على ذلك. “وَجَآءُوٓ أَبَاهُمۡ عِشَآءٗ يَبۡكُونَ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُ” (سورة يوسف: 16-17)
لكن يعقوب عليه السلام شعر بأن الأمر ليس كما قالوا، وقال لهم إن نفسه تدرك أن هناك مؤامرة ضد يوسف. “بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞ” (سورة يوسف: 18)
إنقاذ يوسف:
أثناء وجود يوسف في البئر، مرّت قافلة من المسافرين الذين كانوا في طريقهم إلى مصر. عندما ذهبوا إلى البئر لاستقاء الماء، وجدوا يوسف وأخذوه معهم كعبد وباعوه في مصر.
قال الله تعالى: “وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ” (سورة يوسف: 19)
اشترى عزيز مصر يوسف وأحسن معاملته، وطلب من زوجته أن تكرمه وتحسن إليه. وهكذا بدأت حياة يوسف في قصر العزيز.
لقاء يوسف بإخوته مجددًا:
بعد سنوات واحداث عديدة دخل اثناءها يوسف السجن وظهرت براءته وأصبح يوسف مسؤولاً كبيراً في مصر وصاحب منصب رفيع في إدارة مخازن الطعام أثناء فترة القحط والجفاف، جاء إخوته إلى مصر يطلبون المساعدة بعد ان اصيب والده بالعمى من كثرة حزنه عليه ، حيث كانت البلاد تعاني من مجاعة.
يوسف تعرف على إخوته على الفور، لكنهم لم يعرفوه. بدأ يوسف يختبرهم ليرى إن كانوا قد تغيروا، وفي النهاية كشف لهم عن هويته. قال الله تعالى:
“قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ” (سورة يوسف: 89)
عندما أدركوا أن هذا هو يوسف الذي ألقوه في البئر، شعروا بالخجل وطلبوا منه العفو. ورغم كل ما فعلوه به، كان يوسف عليه السلام كريمًا معهم وسامحهم. “قَالَ لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ” (سورة يوسف: 92)
النهاية:
بعد ذلك، طلب يوسف من إخوته أن يحضروا والدهم يعقوب إلى مصر، حيث اجتمع شمل العائلة من جديد. وفي النهاية، تحقق حلم يوسف الذي رأى فيه الشمس والقمر و11 كوكبًا يسجدون له، عندما سجد له إخوته وأبواه احترامًا له عندما التم شملهم. قال الله تعالى:
“وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ” (سورة يوسف: 100)
العبر من القصة:
الحسد يقود إلى الظلم: الحسد بين الإخوة كان دافعًا للتآمر على يوسف، لكنه انتهى بخزيهم وندمهم.
الصبر والإيمان: يوسف عليه السلام صبر على الظلم والابتلاء، وبفضل إيمانه بالله، نصره الله وأعلى مكانته.
العفو والصفح: رغم الظلم الذي تعرض له يوسف من إخوته، إلا أنه عفا عنهم وسامحهم، وهو درس في التسامح.
تحقيق الوعد الإلهي: مهما كانت الظروف صعبة، فإن وعد الله يتحقق دائمًا، كما تحقق حلم يوسف في النهاية.
قصة يوسف عليه السلام تحمل دروسًا عظيمة في الصبر، الإيمان، والتسامح، وتذكرنا بأن الله يبتلي عباده ليختبر إيمانهم، وفي النهاية يجازيهم على صبرهم وإخلاصهم.